أثارت التصرفات الأخيرة التي صدرت عن نجم المنتخب المصري لتنس الطاولة عمر عصر جدلًا واسعًا في الأوساط الرياضية، بعدما أدان الاتحاد الأفريقي لتنس الطاولة سلوك اللاعب خلال مشاركته في بطولة أفريقيا للعمومي 2025 بتونس، واصفًا ما حدث بأنه “سلوك سيئ ومؤسف” أساء لصورة اللعبة وللرياضة الأفريقية عمومًا.
الواقعة التي أشعلت الأزمة
وقعت الحادثة خلال مباراة نصف النهائي التي جمعت منتخبي مصر ونيجيريا يوم الأحد 19 أكتوبر 2025، عندما دخل عمر عصر في نوبة غضب مفاجئة، قاطع على إثرها مجريات اللقاء أمام اللاعب النيجيري تايو ماتي، ووجه صرخات حادة نحو رئيس البعثة المصرية، في مشهد أثار استغراب الجماهير والحكام على حد سواء.
الاتحاد الأفريقي: “تصرف مسيء وغير مقبول”
في بيان رسمي، أعرب الاتحاد الأفريقي عن استيائه الشديد من الواقعة، معتبرًا أن ما صدر من عمر عصر يمثل إساءة جسيمة للرياضة والمشاركين والمشاهدين، خصوصًا أن اللاعب يُعد أحد أبرز نجوم القارة ومن المصنفين ضمن أفضل لاعبي العالم.
وأضاف البيان أن مثل هذه التصرفات تتنافى مع قيم الانضباط والروح الرياضية التي يسعى الاتحاد إلى ترسيخها في مختلف المنافسات القارية، مشددًا على أن الاتحاد لن يتسامح مع أي تجاوز مستقبلاً حفاظًا على مكانة مصر الرائدة في اللعبة وصورة تنس الطاولة الأفريقية.
استغلال اسم الأهلي في موقف مسيء
وأثار الموقف مزيدًا من الجدل بعد أن تداولت مصادر داخل البعثة أن عمر عصر استغل اسم النادي الأهلي خلال لحظة انفعاله، محاولًا تبرير تصرفه أو فرض موقفه داخل الملعب، رغم أنه يلعب لنادي إنبي منذ ثلاث سنوات، وليس للأهلي كما حاول الإيحاء.
هذا التصرف اعتبره كثيرون إساءة مضاعفة، ليس فقط للمنتخب المصري، بل أيضًا للنادي الأهلي الذي يتمتع بتاريخ عريق في الالتزام والانضباط الرياضي، مؤكدين أن استخدام اسم نادٍ كبير في سياق سلبي أمر لا يليق بلاعب يمثل مصر على المستوى القاري.
واقعة أولمبياد باريس: سابقة تستدعي التحقيق
ولم تكن أزمة بطولة أفريقيا هي الأولى في سجل عمر عصر، إذ شهدت دورة الألعاب الأولمبية – باريس 2024 واقعة أثارت علامات استفهام كثيرة داخل الوسط الرياضي.
فقد فرض اللاعب على الاتحاد المصري لتنس الطاولة ضرورة اصطحاب شقيقه ضمن بعثة المنتخب المشاركة في الأولمبياد، رغم أن وجوده لم يكن مقررًا ضمن التشكيل الفني أو الإداري الرسمي.
ولكي يتمكن شقيقه من المشاركة في المباريات، كان لابد من اعتذار أحد لاعبي المنتخب عن عدم اللعب، وللمفارقة، كان هو عمر عصر نفسه من اعتذر!
وبذلك حرم المنتخب المصري من أفضل عناصره الفنية في واحدة من أهم البطولات العالمية، مما أدى إلى ظهور باهت وغير لائق فنيًا لمصر في المنافسات.
وما يدعو للدهشة – كما يصفه المتابعون – أن هذه الواقعة مرّت مرور الكرام دون أي تحقيق أو مساءلة من اتحاد تنس الطاولة المصري أو حتى من وزارة الشباب والرياضة، رغم أنها تمس العدالة والشفافية في اختيار وتمثيل اللاعبين على الساحة الدولية.
محاولات تبرير غير مقبولة
ورغم وضوح ما حدث في تونس أمام أنظار الجميع، يحاول البعض تبرير تصرف عمر عصر وجعل ما بدر منه وكأنه نتيجة لخلاف شخصي مع زميله في المنتخب محمود أشرف حلمي، نجل رئيس الاتحاد المصري لتنس الطاولة.
غير أن هذا التبرير مرفوض تمامًا، لأن المشاهد المصوّرة من اللقاء كشفت بوضوح أن عمر عصر هو من خرج عن النص، إذ ظهر مهددًا ورافعًا مضربه في وجه الجميع، ومصرًا على عدم استكمال المباراة إلا بعد خروج زميله من الملعب، في مشهد مؤسف لا يليق بلاعب دولي.
أما اللاعب محمود أشرف حلمي، فلم يظهر في اللقطات المصوّرة سوى صوتًا رافضًا لعبارات السباب الموجهة إليه، ولم تظهر له أي صورة أو رد فعل عدواني، مما يدحض تمامًا مزاعم البعض بأن الخلاف كان متبادلاً.
هجوم متواصل وتشويه عبر السوشيال ميديا
وعلى الرغم من تشكيل اللجنة الأولمبية المصرية لجنة تحقيق رسمية للنظر في الواقعة الأخيرة ببطولة أفريقيا، إلا أن عمر عصر يواصل حتى هذه اللحظة الهجوم والتشهير بالاتحاد المصري لتنس الطاولة عبر منشوراته وتصريحاته على مواقع التواصل الاجتماعي.
بدلًا من الصمت وانتظار نتائج التحقيق، اختار اللاعب إثارة الجدل ومحاولة خلق حالة من التعاطف والضغط الإعلامي على اللجنة من خلال ما ينشره، في تصرف اعتبره كثيرون محاولة واضحة للتأثير على مجريات التحقيق وإرباك الرأي العام.
ويرى مراقبون أن هذا السلوك يمثل تجاوزًا جديدًا يُضاف إلى سلسلة من الأفعال التي تستوجب تدخلاً حاسمًا من الجهات الرياضية لضمان احترام مؤسسات الدولة والاتحادات الوطنية.
محاولات لتشتيت الانتباه
وفي خطوة فُسرت بأنها محاولة لتشتيت الانتباه عن الواقعة الأساسية، ترك عمر عصر موضوع سلوكه غير اللائق جانبًا، وبدأ في مهاجمة الاتحاد المصري بدعوى عدم وجود طبيب أو مدرب لياقة بدنية ضمن البعثة، وهي نقاط تنظيمية قد تُناقَش في إطارها الإداري، لكنها لا تبرر أبدًا ما بدر منه من تصرفات مرفوضة شاهدها العالم صوتًا وصورة.
ويرى متابعون أن إثارة مثل هذه القضايا في هذا التوقيت تكشف عن رغبة واضحة في صرف الأنظار عن الخطأ الأصلي، ومحاولة كسب التعاطف الجماهيري عبر طرح موضوعات فرعية لا علاقة لها بجوهر الأزمة.
حقيقة خطاب الإدانة الأفريقي
والمدهش أن البعض حاول مؤخرًا الترويج لفكرة أن الاتحاد المصري لتنس الطاولة هو من يقف وراء خطاب الإدانة الصادر عن الاتحاد الأفريقي، في محاولة للتشكيك في حيادية القرار.
إلا أن هذه المزاعم عارية تمامًا من الصحة، إذ إن نائب رئيس الاتحاد الأفريقي لتنس الطاولة هو الكابتن معتز عاشور، الرئيس السابق للاتحاد المصري لتنس الطاولة، وهو شخصية مشهود لها بالكفاءة والاستقلالية.
وبالتالي فإن خطاب الإدانة جاء بقرار مباشر من الاتحاد الأفريقي نفسه، بعد مراجعة لجنة التحكيم وتوثيق ما جرى في المباراة بالفيديو والصوت، دون أي تدخل أو ضغط من الجانب المصري، كما يحاول البعض الإيحاء.
اختار الأسوأ
كانت أمام عمر عصر خيارات كثيرة لمعالجة الأزمة بعد عودته من البطولة، سواء بالاعتذار، أو بالصمت حتى انتهاء التحقيقات، أو حتى بتقديم توضيح رسمي يحفظ مكانته كلاعب كبير.
لكن المؤسف أنه اختار الأسوأ؛ طريق التصعيد، والتشهير، واستغلال المنصات الإعلامية والاجتماعية لإثارة الفوضى والجدل، بدلًا من تحمل المسؤولية والاعتراف بالخطأ.
بهذا التصرف، خسر عمر عصر كثيرًا من رصيده لدى الجماهير والاتحاد على حد سواء، وأضعف صورته كنجم كان يمكن أن يكون قدوة ومثالًا للالتزام والروح الرياضية.
إنجازات لا تُنكر… لكنها لا تُبرر
لا أحد ينكر أن نتائج عمر عصر وإنجازاته مع تنس الطاولة المصرية والعالمية محل تقدير واحترام، فقد رفع اسم بلاده في محافل دولية عديدة، وحقق أرقامًا جعلته ضمن نخبة لاعبي العالم.
لكن هذه النجاحات لا تبرر له أبدًا ما صدر منه من تصرفات غير مقبولة، لأن الانضباط والسلوك القويم هما ما يميز البطل الحقيقي، لا مجرد تحقيق البطولات أو حصد الألقاب.
فكلما ارتفعت مكانة اللاعب، زادت مسؤوليته في أن يكون قدوة حسنة، لا مصدرًا للجدل والإساءة إلى صورة بلده ورياضته.
أزمة أعمق في الرياضة المصرية
ولعل ما تكشفه هذه الواقعة يتجاوز شخص عمر عصر نفسه، ليعكس مشكلة أعمق تعاني منها الرياضة المصرية، وهي تصور بعض اللاعبين أو المسؤولين أنهم أكبر من المساءلة، معتمدين على علاقاتهم أو شعبيتهم التي يجدون فيها مبررًا لارتكاب الأخطاء أو تجاوز الحدود.
هذه الثقافة الخاطئة تهدد منظومة الانضباط داخل المؤسسات الرياضية، وتفتح الباب أمام الفوضى وازدواجية المعايير، في وقت تحتاج فيه الرياضة المصرية إلى نموذج يحتذى به في الالتزام والمسؤولية، لا إلى نجوم يستقوون بجماهيرهم أو بسطوتهم الإعلامية.
ختامًا
يبقى عمر عصر لاعبًا موهوبًا رفع اسم مصر عاليًا في محافل دولية عديدة، غير أن تصرفاته الأخيرة تُعد جرس إنذار يستوجب وقفة حقيقية من الجهات المسؤولة لضمان التزام جميع اللاعبين بروح المنافسة الشريفة، لأن الموهبة وحدها لا تكفي لصناعة البطل، بل لا بد أن تقترن بالأخلاق والانضباط اللذين يمثلان جوهر الرياضة الحقيقية.
الوسيط مجلة إخبارية يومية